رام الله مكس-وكالات
فيما يشبه بروفات ثورة جديدة، شكلت أحداث مظاهرات اليوم، الجمعة 15 أبريل/نيسان 2016، في القاهرة علامة فارقة هي الأبرز من نوعها منذ قامت السلطات المصرية بحظر التظاهر في عام 2014، حيث فشلت قوات الأمن في فضّ المتظاهرين الذين تجمّعوا بأعداد كبيرة للمرة الأولى وسط القاهرة من مختلف التيارات السياسية.
وللمرة الأولى أيضاً منذ شهور طويلة يخرج البيت الأبيض عن صمته، معلناً أنه يراقب الأوضاع في القاهرة التي سادها الغليان إثر قرار اتخذه الرئيس المصري باعتبار جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين أراضي سعودية، وهو الأمر الذي صدم المشاعر الوطنية.
وفيما قال شهود عيان إن أكثر من 30 ألف متظاهر احتشدوا بالقرب من نقابة الصحفيين وسط القاهرة، فقد كان الرئيس المصري في أبعد نقطة، حيث التقى مجموعة من الشباب المؤيد له في منتجع جبل الجلالة المطل على ساحل البحر الأحمر القريب من وحدات عسكرية كثيفة، ليحدثهم عن أن الأمن والاستقرار سيساعد في جذب الأفكار والاستثمارات.
ومع دخول الظلام قرر المتظاهرون الذين تجمعوا في القاهرة فضّ تجمعهم معلنين عن خطط للتجمع مجدداً بحلول يوم 25 أبريل/نسيان الذي يوافق عيد تحرير سيناء، إذا لم يتخذ الرئيس المصري قراراً بإلغاء نقل تبعية الجزيرتين للسعودية.
ودعا الناشط الحقوقي خالد علي المتظاهرين للانصراف قبل التدخل الأمني، كما طالبهم بتجديد التظاهر يوم 25 أبريل الجاري، بالتزامن مع ذكرى تحرير سيناء.
وقد انصرف المتظاهرون فور كلمته في مجموعات تجنباً لإلقاء القبض عليهم من قبل قوات الأمن المحيطة بالمكان.
ومن ناحيتها أعلنت حركة 6 أبريل أن القوى المنظمة لمظاهرة اليوم اتفقت على فضّ التظاهرة الآن على أن يتم تنظيم مظاهرة أخرى يوم ذكرى تحرير سيناء.
وكان عدد من القوى السياسية والثورية المصرية قد نظمت، الجمعة، العديد من المظاهرات الشعبية في عدد من ميادين القاهرة، رفضاً لتوقيع الرئيس عبدالفتاح السيسي لاتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير باعتبارها أراضي سعودية.
وشهدت المظاهرات مشاركة كبيرة نسبياً مقارنة بحجم المظاهرات التي قامت بها تلك القوى خلال العامين الماضيين، واستطاعت قوات الأمن فضّ مظاهرات ميدان مصطفى محمود والسيدة زينب وأرض اللواء وعدد من محافظات مصر، ولكن استمرت المظاهرة التي بدأت أمام نقابة الصحفيين المصريين وسط البلد، ومازالت الحشود تتزايد بها خصوصاً مع قربها من ميدان التحرير.
اللافت للنظر في مظاهرات الجمعة هو نوعية المتظاهرين، وغياب كامل لعناصر جماعة الإخوان المسلمين، الذين اكتفوا بالتظاهر مساء الخميس، وتلك هي المرة الأولى التي يتم الهتاف ضد السيسي وحكم العسكر من فئة غير جماعة الإخوان المسلمين.
وكذلك تميز المشهد بكثافة الأعداد نسبياً، بالنظر إلى العقوبات الصارمة التي تضمنها القانون المصري ضد المتظاهرين دون ترخيص، وأحكام بالسجن لمدد تصل إلى 3 سنوات، حيث وصلت أعداد المتظاهرين أمام مسجد مصطفى محمود إلى ما يقرب من 2000 متظاهر، هذا بخلاف أعداد التجمعات الأخرى، وردد المتظاهرون هتافات بمصرية تيران، والمطالبة بإسقاط حكم العسكر، مع ترديد الهتاف الشهير لثورة 25 يناير 2011 “ارحل”، مع الهتاف ضد ملك السعودية.
من جانبه قال خالد داوود، المتحدث باسم التيار الديمقراطي، إن المشهد اليوم يعكس حجم الغضب الموجود لدى قطاعات الشعب المصري جراء قرار التخلي عن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، وهي أرض مصرية تاريخياً، وكذلك تعكس حجم الغضب من طريقة اتخاذ السيسي لمثل تلك القرارات، وعدم طرحها على وسائل الإعلام ومخالفة الدستور المصري الذي لا يجيز التنازل عن أي جزء من أرض مصر.
وأكد داوود في تصريحات خاصة لـ”هافينغتون بوست عربي” أن هتافات اليوم المطالبة برحيل السيسي عن الحكم مؤشر لحجم الإحباط الذي أصاب الجميع بعد سنتين من حكمه، وسياساته التي تعيد إنتاج نظام مبارك بكافة صوره القمعية، وحبس الشباب وعدم تحقيق الطموحات التي رفعها الثوار في ثورتين، مشيراً إلى أن حجم التظاهر اليوم هو بداية لانهيار جدار الخوف الذي أراد النظام أن يبنيه بين الثوار والشارع، وهو تجمّع يعد وسيلة لاستعادة الثقة بالنفس.
وذكر المتحدث باسم تحالف التيار الديمقراطي أن “مظاهرات اليوم رسالة إلى النظام، فرغم التهديدات التي أطلقتها وزارة الداخلية إلا أن الشباب أصرّ على النزول، وقضية تيران قضية جديدة تضاف إلى المطالب بتغيير مجمل سياسات النظام، وهنا يجب أن يفهم النظام أن ورقة الإخوان المسلمين التي تستخدم كفزاعة لعدم استمرارنا في النضال لن تخدع الشعب المصري، خصوصاً أن الجميع يدرك أننا أصحاب أجندة وطنية خالصة، وموقفنا معروف من تحميل جماعة الإخوان ما وصل إليه المشهد الثوري الآن”.
فيما قال المهندس محمد سيف الدولة، الكتاب المتخصص في الشأن القومي العربي، الذي حرص على المشاركة في المظاهرات، إن “القانون والشرعية اليوم مع المصريين الذين نزلوا في مظاهرات ضد الخارجين عن الشرعية، فالشرعية ليست بدلة ميري ولكنها شرعية الحفاظ على سيادة الأرض، وقانون هؤلاء غير ملزم لنا”.
وذكر سيف الدولة في تصريحات خاصة لـ”هافينغتون بوست عربي”، أن “مظاهرات اليوم أسقطت النظرية التي يروّجها النظام بأن الحرية فوضى، فاليوم من يدافع عن سيادة الدولة هم المتظاهرون المدنيون الخارجون عن السلطة والنظام من وجهة نظر النظام، وهو مشهد غير مسبوق خلال العامين الماضيين، والجميع متحد لأول مرة بعيداً عن خلافاته الحزبية، معلنين أننا لا نستأمن النظام الحالي عن الأرض والوطن، وهي ثاني أخطر جريمة قام بها السيسي ولكن الأخطر منها هو إخلاء أرض مصرية من سكانها لعمل منطقة عازلة كانت تطالب بها إسرائيل الكيان الاستعماري والاستيطاني، وتلك جريمة وطنية كبرى، ولكن في وقتها كانت الآذان لا تستمع، ولكن اليوم الوضع مختلف”.
وأشار سيف الدولة إلى أن “اليوم هو بداية تدشين إجراءات إسقاط هذا النظام، الذي فقد بمظاهرات اليوم شرعيته الشعبية، والقادم هو ما حسبه السيسي ونظامه بعد أن ارتكبوا كافة أنواع الجرائم السلطوية، من قتل متظاهرين وقمع بذريعة الحفاظ على سيادة الدولة، ولكن تلك الذريعة سقطت مع بيعهم أراضيها، ووفقاً لقانون العقوبات فإن السيسي يواجه عقوبة الحبس المؤبد لإضراره بالمصلحة العليا للوطن، ويكفي أن نشير إلى أن مصر بتنازلها عن جزر تيران وصنافير، تفقد قدرتها على غلق هذا الممر وقت الحرب، واستخدامه كسلاح ردع وقت السلم، وهو ثغرة جديدة في جدار الأمن القومي المصري”.
وتشهد مصر حالة واسعة من الغضب بعد إعلان اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية خلال زيارة الملك سلمان، وما نتج عنها من ضم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية بعد أن كانتا تحت السيادة المصرية، وهو ما اعتبره الكثيرون تفريطاً في الأرض.