السبت:
2024-05-04

في دوما.. رائحة حريق لم يخمد

نشر بتاريخ: 29 يوليو، 2016
في دوما.. رائحة حريق لم يخمد

نابلس- رام الله مكس- وكالات

يستعد الطفل أحمد دوابشة لاستئناف حياة جديدة في كنف جده ببلدة دوما بمدينة نابلس بالضفة الغربية المحتلة، بعد عام كامل أمضاه في رحلة علاج لم تنته، إثر حروق نهشت جسده الغض على يد مستوطنين.

وبعد عام من محرقة عائلة دوابشة، لا تزال دوما القرية الوادعة التي تقع على الأطراف الجنوبية الشرقية لنابلس، تحتفظ بالكثير من تفاصيل تلك الجريمة.

وفي منزل الشهيد سعد دوابشة حيث مسرح الجريمة، كان المشهد كما لو أن الجريمة قد وقعت للتو، فآثار الحريق لا تزال ماثلة للعيان، ورائحة الدخان لا تزال تزكم الأنوف.

ولم يفلح مرور الأيام بمسح الذكريات الأليمة من أذهان أهالي البلدة، وبين الحين والآخر، كان المستوطنون ينفذون غاراتهم على البلدة ليتركوا بصمتهم بحريق هنا أو هناك، ليقولوا لسكانها: “نحن ما زلنا طلقاء”.

ففي فجر اليوم الأخير من شهر يوليو 2015 ارتبكت مجموعة من عصابات “تدفيع الثمن” الإرهابية واحدة من أبشع الجرائم في العصر الحديث.

أفراد المجموعة حطموا ببداية هجومهم زجاج المنزل، وألقوا زجاجات حارقة تحتوي مواد شديدة الاشتعال، لتندلع النيران بسرعة البرق في غرفة النوم التي كان يرقد بها سعد وزوجته ريهام وطفلاه أحمد (5 أعوام) وعلي (عام ونصف).

حاول سعد وزوجته النجاة بطفليهما من النيران، لكن أفراد العصابة كانوا بانتظارهم خارج المنزل، ليكملوا الجريمة، بصب مزيد من المواد المشتعلة على أجسادهم المشتعلة أصلا.

وبعد أن هبّ الأهالي لنجدة العائلة، اكتشفت “ريهام” أن ما تحمله في حضنها ليس ابنها الرضيع “علي” وإنما اللحاف الذي كان يغطيه، وبالعودة إلى داخل المنزل، كان علي قد تحول إلى كتلة متفحمة.

أما الطفل احمد، فقد كتبت له النجاة، رغم حروقه الشديدة، حينما أفلح بالتواري خلف باب المنزل.

أصيب سعد وزوجته وطفلهما أحمد بحروق بالغة، واستشهد سعد بعد أسبوع، لتتبعه زوجته بعد 36 يومًا من الجريمة، تاركين وراءهم طفلا كتب له أن يعيش حياة اليتم.

عودة إلى الأهل

عودة أحمد إلى دوما، قبل أيام من حلول الذكرى، جاءت بعد أن لاحظ الأطباء أن مداومته على زيارة مسقط رأسه يومين في الأسبوع، ترك أثرًا جيدًا على حالته الصحية.

ويبدو أحمد سعيدًا بعودته إلى دوما، وهو يقضي ساعات النهار باللهو واللعب مع أبناء عمه وخاله وأطفال الحي، حتى أنه لا يريد العودة للمشفى، وبصعوبة استطاعت عائلته إقناعه بضرورة زيارته يوم الاثنين من كل أسبوع لمتابعة العلاج.

ويقول عمه نصر لوكالة “صفا”: “نحاول أن نعوضه عما فقده رغم صعوبة ذلك”.

ولا تخفي العائلة تخوفها على الحالة النفسية لأحمد، لذلك تبذل العائلة جهودًا لدى وزارة الصحة لفرز اختصاصي نفسي حتى يستطيع التعامل معه.

ورغم صغر سنه، لا يزال أحمد يذكر بعض تفاصيل المحرقة، ويذكر كيف أن والده حمله فيما كانت النيران تشتعل في جسده.

أحمد الذي زار مقبرة البلدة حيث يرقد والداه واخاه علي وقرأ الفاتحة عليهم، يدرك الآن أنهم يعيشون في الجنة، وأن عليه أن يقوم بالأعمال الصالحة والعبادات حتى يستطيع دخول الجنة ولقائهم، لكنه لا يدرك معنى الموت والحياة.

ويقول عمه: “بعد فترة ستكون قضية الموت والحياة أكثر وضوحًا عند أحمد، ونأمل أن نتجاوز هذه المرحلة بوجود الباحثة الاجتماعية وبتعاون العائلة”.

وسيلتحق أحمد مطلع العام الدراسي الجديد بمدرسة البلدة التي حملت اسم أخيه الشهيد علي، ويؤكد “نصر” أن أحمد سيحصل على معاملة عادية كأي طفل آخر، ولن يتميز عن أقرانه بمعاملة خاصة.

ولا زال أمام دوابشة الابن لمشوار طويل للعلاج مما أصابه ويتوجب عليه الخضوع لعمليات تفتيح للجلد بالليزر، وتقشير المفاصل حتى لا تعيق حركته، ثم ستبدأ المرحلة الثالثة وهي مرحلة التجميل، والتي يتوقع أن تستمر ثماني سنوات.

ذكرى خالدة

ولتخليد الذكرى، تبرعت عائلة دوابشة بقطعة الأرض التي يقوم عليها المنزل لصالح مشروع متحف الشهيد علي دوابشة.

“نسعى للإعلان قريبًا عن بدء مشروع متحف الشهيد علي دوابشة، ليكون شاهدًا على جرمة العصر التي ارتكبها المستوطنون”، قال نصر دوابشة.

وأوضح أن العائلة وبالتعاون مع مكتب هندسي ونقابة المهندسين، انتهت من تصميم المتحف، وقدمته لرئيس الوزراء الذي أبدى استعداده لتمويله.

إفلات من العقاب

وبعد عام من ارتكابهم للجريمة، لا يبدو أن مرتكبيها سيلقون العقاب الرادع من جانب القضاء الإسرائيلي.

فمن أصل 17 متهمًا اعتقلوا بتهمة الضلوع بالجريمة، سواء بالتخطيط أو التآمر أو التنفيذ، لم يبق منهم قيد الاعتقال سوى اثنان، وأطلق سراح الباقين.

ويتوقع “نصر” أن تستمر المحاكمة بهذا المنوال ما بين سنتين وثلاث سنوات، خاصة وأن هناك 132 شاهدًا، ولم تعقد المحكمة سوى خمس جلسات حتى الآن.

ويؤكد أن القضاء والحكومة في “إسرائيل” متواطئون مع القتلة، ضمن مخطط مدروس لإرهاب الفلسطينيين، ويرى أن عدم اتخاذ الإجراءات الرادعة ضد هؤلاء يدفعهم لارتكاب المزيد من الجرائم.

ويشير إلى أن قائد مجموعات “تدفيع الثمن” التحق بعد إطلاق سراحه بقواعده مجددًا، وتم تنفيذ عدة اعتداءات في دوما وغيرها من القرى.

ويقول نصر: “نحن لا نعترف بالاحتلال ولا بمحاكمه، ولكننا نذهب مجبرين إلى محاكمهم، رغم ما نعانيه من حضور المحكمة من معاناة نفسية ومادية، وممارسات الاحتلال للوصول للمحكمة”.

ويقول نصر: “حكومة الاحتلال لديها أطماع بدوما وتخطط لضمها نظرا لوقوعها في الأغوار.. وهناك أعضاء في حكومة الاحتلال وأعضاء كنيست ورجال دين يمارسون التحريض ضد شعبنا”.

المصدر: صفا

أسعار العملات
دولار أمريكي
دولار أمريكي
3.753 - 3.746
دينار أردني
دينار أردني
5.300 - 5.277
يورو
يورو
4.021 - 4.014
الجنيه المصري
الجنيه المصري
0.079 - 0.078
السبت 04 مايو، 2024
الصغرى
العظمى
17º