السبت:
2024-05-04

 أصابه عمى العينيين فتفتح نور قلبه وازدادت "رشاقة" عقله

نشر بتاريخ: 10 يونيو، 2017
 أصابه عمى العينيين فتفتح نور قلبه وازدادت "رشاقة" عقله

رام الله مكس  – كتب ميسر قرط

“أبو سامح” السبعيني يسترجع عبق الماضي ليوجد الحاضر الأجمل

لم يكن يعلم ما تخبئ لـه الأقدار، خرج من موت محقق بأعجوبة في ظل مرض اجتاح قريته وهو في السادسة من عمره، فأصيب بعمى الأعين إلا أن ذلك شد من أزره ليشتد عوده فكان بصير القلب والعقل ، “فقدان البصر لا يشكل حاجزاً أبداً ويجب على الانسان أن يكافح ولا يخضع لليأس”  بهذه الكلمات بدأ  حديثه وابتسامته لم تفارق شفاه، يتحدث بثقة عالية ، يرسم أمل الحياة لمن حوله، يؤكد أننا جيلٌ نعمل ونجتهد ببصرنا ، في حين بصيرة قلبه لم تخطئ في حياته أبداً .. سليمان  “ابو سامح” الرجل الذي استطاع ان يصل الليل بالنهار ببصيرته وعفويته وعنفوانه مجتمعةً لتُخرج الينا معلم يُربي الأجيال على حُب الخير ومد يد العون للآخرين، فلم تكن حادثة إصابته بالعمى عائقاً أمامه ليُكمل تعليمه حتى يصل طموحه الذي  رسمه في مخيلته.

يقول ابو سامح الذي يعيش في قرية بيت عور ”  حصلت على جائزة المعلم المثالي وهذا في طبيعة الحال وأنا مكفوف بعد أن تم تعييني كمدرس في المدرسة العلائية في العام 1962 واستمريت فيها  حتى العام 1996، وبعد  أن حصلتُ على التقاعد استلمت رئاسة جمعية المكفوفين العربية.

 مُبصرٌ بقلبه وجوارحه …

ولد  الحاج أبو سامح  كما يُحب أن يناديه  اهل قريته في الثالث من شهر نيسان من العام 1941، ويؤكد في حديثه وهو يتكىء على كرسي ” عفى عليه الزمن” انه كان طفلاً  عادياً يخلو جسمه من الأمراض وكان مبصراً في سن السادسة من عمره انتشر نوع من الوباء في قريته أصاب عيناه وأصبح كفيفاً ، اذا يقول وعيناه تذرف دمعاً تمسحه شقاء القدر ” حاول الجميع توفير العلاج لي ، إلا أن ذلك لم يفلح ، فالطب لم يكن متقدماً ، ولا نحن تصلنا أية معونات ” خارجية او داخلية” ، فالحاكم الناهي في ذلك الزمان دولة ” الانتداب ” بعد الخلافة العُثمانية ، وانتشار  الأوبئة والأمراض دون علاج او مد يد العون لأحد، ” أصبحت كفيفاً  وهذا قدر الله وما قدر الله علينا إلا حكمٌ قاطع، مكتوب في كتاب محفوظ لا نعلمه نحن، فهو الخالق المصور والقادر على كل شيء..  أبو سامح الرجل المسامح  النقي  الطهور  هذا  ما ردده اهل قريته بحقه ، فنحن نصل  اليهم من بعيد إلا هو فيعلم ما نريد ببصيرة قلبه، ونحن ” عميان القلوب” لا نستدل بنصيحة الغير  ونقدم العون في غير أهله، ويضيف متسائلاً عن أمتنا التي أصابها الشلل  والغدر ، لنصبح أشقى أمة أخرجت للناس.

الإرادة تصنع المُستحيل  …

“ابو سامح”  عاش طفولته في قريته بيت عور حتى وصل سن السابعة وفي عام النكبة انتسب للمدرسة العلائية وكان ذلك بفضل مبشرة مسيحية من سكان رام الله حيث درس فيها ستُ  سنوات  وفي العام 1954 انتقل من المدرسة العلائية الى مدرسة رام الله الثانوية مكث فيها لمدة سنتين لينتقل بعدها الى المدرسة الهاشمية لمدة ثلاث سنوات ويجتازُ امتحان “الماتريك” في العام 1958  ليلتحق بعدها بدار المعلمين في (عمان) لمدة سنتين ويتخرج في العام 1961 حاصلاً على أعلى علامة في اللغة الانجليزية في امتحان الماتريك.

يوجزُ ” ابو سامح” كلامه ويوقظُ الضمير في الانسان، ليجمع عبق الماضي والحاضر ويسترجع ذاكرةً مليئةً بالحب والشوق والحسرة في آن واحد ، فيودع الشقاء  لينضم الى عالم المبصرين فعلياً فبعد انتهائه من الدراسة يتم تعيينه مدرساً في المدرسة العلائية في العام 1962 ليستمرُ فيها حتى العام 1996 أي ما يُقارب 34 عاماً، يُقدم النصح والبلاغة والعلم كان يدرس وهو كفيف .

” لا يوجد شيء دون صعوبات لكن نحن لدينا إرادة قوية ، كنت أواجه صعوبات جمة لكن هدفي الأساسي النهوض  بفئة المكفوفين ومحاولة إيصالهم لمرحلة    تحقيق الذات”.

ويُضيف ابو سامح وهو يشتم عبق ماضيه الذي جعله مخضرماً وواقعياً ” أينما وجدت أناس اصابهم الله ببصرهم لحكمة أشجعهم على حياة جميلة نرسم فيها ملامح الغد المُشرق لا ملامح الواقع ” الجبان” ، نعيشُ بلا خذلان أو تقصير او استرحام، نعمل ونُقدر من يعمل ونرى الأصح ونطبقه، على عكس ما نحيا به اليوم ، فسبحانه منحنا الكثير وأخذ منا البصر ، فنسترجع قوانا لنترك كل من تقاوى علينا ونُصبح بمشيئة الله القادرين .

“فقدان البصر لا يشكل حاجزاً أبداً وعلى الانسان أن يكافح في حياته ولا يستسلم لليأس ، فلا مكان له بيننا” يُضيفُ أبو سامح .

صاحب الوجه البشوش المتجعد يصل بريطانيا ليقف على شُرقة عالية تُطل  على بحر اشتم رائحته وحفظ هواه، ليصل جمعية المكفوفين التي ترأسها  بالعالم الخارجي ، ويفتح لها أبواباً ما كانت أن تُفتح لولا بصيرة عقله وقلبه .

يقول ” ابو سامح” أصبحتُ عضواً في المكتبة البريطانية في لندن  وانا الآن أمتلك مكتبة في بيتي تحتوي على قاموس انجليزي- انجليزي وعدد كبير من المجلات والمجلدات  الانجليزية التي لا يمتلكها غيره من الناس .

عاطفتي نحو الغير  اكتسب بها علماً

” أشعر  بالشفقة على زمانكم” هكذا يقول ابو سامح، فالناس ليست كالناس في زماننا ولا نحن نهوى زمانكم ، فالعطف على الغير في هذه الأيام فضيلة أكتسب بها علماً آخراً أمنحه بعقلي للآخرين ، من خلال  الارشاد  والنصح والعمل السليم ومنح الخير في أهله.

أبو سامح كغيره وأفضل  يعملُ ويُكافح ليصل الى مُبتغاه شارك بالكثير من الابحاث ويؤكد أن “ما يميزُ الكفيف انه انسان غير يائس.. غير قانط .. مكافح يُحب إظهار انسانيته    .

أوصلت عائلتي  ولصغيرة والكبيرة وطني فلسطين  الى مزيد من الفخر بتحقيق طموحاتي ونجاحات كان يراها البعض  مستحيلة ، لأكون كما أنا عليه الآن ، جالسٌ راض عن نفسي فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس  ” يختم  ابو سامح ومقلتيه تُعيدانه الى بداية خلقه وتحقيق حلمه رغم فقدانه البصر مُبكراً ، لينظُر بقلبه وعقله الى الآخرين يقدم لهم الرشد والنصيحة وهو في سن السادسة والسبعين”.. فكسبت ثقة الناس …

أسعار العملات
دولار أمريكي
دولار أمريكي
3.753 - 3.746
دينار أردني
دينار أردني
5.300 - 5.277
يورو
يورو
4.021 - 4.014
الجنيه المصري
الجنيه المصري
0.079 - 0.078
السبت 04 مايو، 2024
الصغرى
العظمى
17º